مقالات منوعة

لماذا لم تطرق المستوطنة الباب؟

بقلم : المهندس غسان جابر

لم تأتِ المستوطنة ليلًا.
لم تختبئ.
لم تطرق الباب.
جاءت في وضح النهار، بورقة رسمية، وختم حكومي، وابتسامة باردة.
قالوا: 19 مستوطنة جديدة.
لم يقولوا: 19 جرحًا في جسد الأرض.

في هذه البلاد، لا تُبنى البيوت أولًا.
يُهدم المعنى،
ثم يُصبّ الإسمنت فوقه.

الأرض لا تُصادر… الأرض تُنتزع من أهلها

القرار ليس قرار إسكان.
ليس زيادة طبيعية في عدد السكان.
إنه سؤال وقح موجّه إلى الفلسطيني:
كم مساحة اليأس التي تستطيع أن تحتمل؟

الاحتلال لا يريد أرضًا فقط.
يريد الفلسطيني خفيفًا،
مؤقتًا،
قابلًا للنقل.

كل مستوطنة هي محاولة لإقناعك بأنك عابر.
وكل شارع استيطاني يقول لك:
اذهب من هنا… لا وقت لك.

القيادة تعرف، لكنها مطالبة أن تقول

المشكلة ليست في الجهل.
الكل يعرف ماذا تعني المستوطنة.
لكن المعرفة إن لم تتحول إلى موقف،
تصبح شكلًا آخر من الصمت.

القيادة ليست مطالبة بشرح القرار،
بل بتسميته:
هذا ضمّ.
وهذا الضمّ إعلان حرب بطيئة.

والحرب البطيئة أخطر من الرصاص،
لأنها لا تُثير الانتباه…
إلا بعد فوات الأوان.

الفصائل: حين تصبح الأرض أوضح من الشعارات

الأرض لا تفهم اللغة الحزبية.
لا تعرف من الذي أصدر البيان،
ولا من الذي وقّع عليه.

هي فقط تسأل:
من سيبقى؟

في لحظة كهذه،
الاختلاف ليس موقفًا،
بل ترف.

والترف في زمن المصادرة
خيانة بلا نية.

الشعب: الذين لم يغادروا بعد

الفلسطيني لا يصرخ لأنه ضعيف،
بل لأنه ما زال هنا.

من بقي في بيته
هو فعل سياسي.
من حرث أرضه
هو بيان.
ومن رفض الرحيل
هو برنامج وطني كامل.

الاحتلال يفهم هذا جيدًا،
ولذلك يبني المستوطنة
حيث ما زال الفلسطيني صلبًا.

المقاومة ليست ما نظنه دائمًا

ليست بندقية فقط،
ولا حجرًا فقط،
ولا شعارًا طويلًا.

المقاومة أن تقول:
لن أكون أقل من أرضي.

أن تُتعب المشروع الاستيطاني،
أن تُربكه،
أن تجعله مكلفًا نفسيًا،
أخلاقيًا،
وسياسيًا.

المقاومة أن تُبقي السؤال مفتوحًا:
لماذا ما زال هذا الفلسطيني هنا؟

نقول:

الاحتلال قرر أن يبني 19 مستوطنة.
لكنّه لم يسأل نفسه السؤال الأخطر:
كم فلسطينيًا ما زال مستعدًا أن يبقى؟

والإجابة — حتى الآن —
مرعبة للاحتلال.

لأن من بقي،
لم يبقَ صدفة.
بقي لأنه يعرف
أن الأرض لا تُسترد بالعودة إليها،
بل بعدم مغادرتها

م. غسان جابر – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى