الخذلان العربي.. صرخة في وجه الزمن

بقلم / نجيب الكمالي
في يوم التضامن العالمي مع فلسطين، تتجه أنظار العالم نحو الأرض المحتلة، وترفع شعوب الأرض الحرة أصواتها معلنةً وقوفها مع الحق، مرفوعةً في ميادين العدل والحرية، ترفض الظلم وتناصر المظلوم، بينما يغيب العالم العربي عن الصفوف، تاركًا القضية في مواجهة التحديات وحدها. هذه المفارقة المؤلمة لا تثير الدهشة فحسب، بل تفتح أبواب التساؤل واللوم والخذلان على مصراعيه، وتجعلنا نقف أمام حقيقة مرة: أين نحن من إرثنا؟ أين الشهامة والعروبة والإقدام الذي كان يميز الأمة العربية؟
حين نستحضر أمجاد الماضي، مثل صلاح الدين الأيوبي الذي حرر القدس، ندرك الدروس العميقة: في الأمة رجال إذا نادتها القدس لبّوا، وإذا استغاثت فلسطين انتفضوا، وكانوا رمزًا للإقدام والصمود والشجاعة. أما اليوم، فغياب هذه المواقف يجعل الأمة تقف أمام المرآة، لتكتشف أنها فقدت جزءًا من هويتها وقيمها الأصيلة، وأن العروبة تحولت من واقع يومي ملموس إلى شعارات تتردد في المناسبات والاحتفالات والخطب الموسمية، دون فعل حقيقي على الأرض.
ولعل أكبر الجراح اليوم هو التطبيع، ذلك القرار السياسي الذي يضع يده على الجرح النازف للأمة. التطبيع ليس مجرد اتفاقيات ومصالح أو تبادل دبلوماسي، بل هو خيانة للروح الجمعية للأمة، وتخلي عن الحقوق التاريخية، ونسيان للدماء التي سالت دفاعًا عن الأرض والعرض. والأسوأ من ذلك، أن بعض المطبعين يسيرون في طريقهم بلا وعي للعواقب، غافلين عن أن هذا النهج سيُدرَّس غدًا كأكبر سقوط سياسي وأخلاقي في تاريخ الأمة، وسيسجل في كتب التاريخ كوصمة عار لا تمحى.
ليس التاريخ وحده من سيحاسبنا، بل الأجيال القادمة، أولئك الأطفال الذين سيرثون هذه الأرض، وأحفادنا الذين سيقرأون عن هذه المرحلة السوداء بكل حدة. سيُطرح السؤال الذي لا مفر منه: أين كنتم حين انتهكت القدس؟ كيف صمتتم عن غزة المحاصرة؟ كيف تقبلتم تخلي البعض عن فلسطين؟ أي تفسير سنقدمه؟ هل سيكون مجرد أعذار واهية؟ أم سنكتشف حين يفوت الأوان أننا كنا شهود زور على جريمة كبرى؟
لكن وسط هذا الظلام، يبقى الضوء موجودًا. الأحرار من كتاب ومثقفين وإعلاميين، الذين يجتمعون تحت راية «منبر صحفيون من أجل فلسطين»، يرفعون صوت الحق ويؤكدون أن العروبة ليست شعارات فقط، وأن الكرامة ليست كلمة تُكتب على الأوراق، بل موقف وثبات وأفعال ملموسة. هؤلاء الأبطال ينفخون الروح في الوعي العام، ويذكرون الأمة بأصولها وحقها المشروع في الحرية والكرامة، ويثبتون أن التضامن ليس مجرد كلمات، بل أفعال تعكس عمق الانتماء والضمير الحي للأمة.
إنها دعوة للصحوة، دعوة لليقظة قبل أن تضيع قيمنا، قبل أن تُمحى فلسطين من خريطة المشاعر العربية كما تُمحى من الخرائط الجغرافية، قبل أن يصبح الصمت والخيانة إرثًا متوارثًا. الأمة التي تنسى تاريخها وتخون مبادئها محكوم عليها بالاندثار، أما الأمة التي تثبت على الحق، وتقاوم، وتدافع عن قضاياها العادلة، فمصيرها أن تخلد في ذاكرة التاريخ، وأن تظل شعلة أمل تتوارثها الأجيال، وأن يُذكر اسمها في كل أزمنة الظلم كرمز للثبات والوفاء للحق.
إن فلسطين ليست مجرد أرض، بل قضية روح، قضية كرامة، قضية حياة وأمل لكل أحرار العرب. وما دام هناك من يقف على هذا الحق، فإن الشعلة لن تنطفئ، والضمير لن يهدأ، وستظل صرخة الأمة العربية الحرة صدى حاضر ومستقبل، لا يزول، حتى يتحقق النصر والعدل والحرية لأرض فلسطين وشعبها العظيم.



