مقالات منوعة

الإعلام المقاوم ومعركة الوعي العربي،قراءة في مقال نجيب الكمالي: “الصمت تواطؤ والسردية الصهيونية تزيف الوعي”

بقلم: المهندس غسان جابرمن

حين يكتب نجيب الكمالي عن الإعلام والوعي، فإنه لا يكتب من باب المهنة، بل من باب الرسالة.
وفي مقاله الأخير “الصمت تواطؤ والسردية الصهيونية تزيف الوعي”، يضع الكمالي إصبعه على جرحٍ عربيٍ مفتوح منذ عقود: جرح الصمت أمام تزوير الحقيقة، والعجز أمام غطرسة القوة.
إنه يذكّرنا، ببلاغة الموقف لا بجمال العبارة، أن الكلمة لم تكن يومًا ترفًا، بل كانت سلاحًا من أسلحة البقاء.

منذ أن تحالفت السياسة الأمريكية مع المشروع الصهيوني على إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، لم تعد المعركة على الأرض وحدها، بل امتدت إلى العقل العربي نفسه.
فالتاريخ يُعاد تفسيره بما يخدم الاحتلال، والجغرافيا تُعاد تشكيلها على مقاس القوة، والوعي الجمعي للأمة يُستبدل تدريجيًا بوعيٍ مُعلّبٍ يُقدَّم تحت لافتة “الواقعية السياسية”.
وفي هذا المشهد، يصبح الصمت العربي تواطؤًا صريحًا، لا يبرره الخوف ولا تعفي منه الحيادية.

إن أخطر ما يهدد العرب اليوم ليس ما تفعله إسرائيل، بل ما يتوقف العرب عن فعله.
ذلك أن الهزيمة الحقيقية لا تقع عندما يحتل العدو الأرض، بل حين يحتل الرواية، ويُقنع العالم أن الضحية هي الجلاد، وأن العدوان هو دفاع عن النفس.
وهنا، في هذه المساحة الرمادية بين الحقيقة والتزييف، يتسلل المشروع الصهيوني بأدواته الناعمة: الإعلام، والسينما، والمصطلح.

لقد جاءت مبادرة الكمالي – من خلال منبر “صحفيون من أجل فلسطين” – كإعلانٍ عن ولادة جبهة جديدة من جبهات الوعي، تحاول أن تستعيد للإعلام العربي مكانته الأصيلة: ضميرًا للأمة، لا بوقًا للسلطة.
فالإعلام المقاوم، كما يطرحه، ليس شعارًا، بل مشروع وعي عربي يُعيد تعريف الكلمة بوصفها موقفًا لا مهنة، ومسؤولية لا مادة تُبثّ على الهواء.

ولعلّ ما يلفت في مقاله أنه لا يكتفي بالنقد، بل يرسم ملامح طريقٍ بديل:
طريقٌ يبدأ من وحدة الكلمة العربية في وجه رواية الاحتلال، ويمتد إلى كشف التواطؤ الناعم الذي يتخفى خلف خطاب “الاعتدال” و“التطبيع”، وينتهي باستعادة الوعي الجمعي، ذلك الوعي الذي حاولوا سلخه من جذوره ليقبل الظلم باعتباره قدَرًا، والعدوان باعتباره واقعًا.

في كل مرحلة من مراحل الصراع العربي – الصهيوني، كان هناك من يقف على حافة الصمت، ظنًا أن الحياد نجاة.
لكن التاريخ لم يكتب أسماء الصامتين، بل كتب أسماء الذين امتلكوا شجاعة الكلمة، لأن الكلمة الصادقة كانت دومًا أقرب إلى المعركة من البندقية.
ومن هنا، فإن ما يقوله الكمالي ليس ترفًا فكريًا، بل نداء تاريخي إلى الصحفيين والكتّاب العرب كي يعيدوا للإعلام رسالته التحررية الأولى، قبل أن تبتلعه حسابات السوق والسياسة.

إن معركة الوعي لا تقل خطرًا عن معركة السلاح، بل ربما تسبقها.
فمن يملك الرواية، يملك القدرة على توجيه الوعي، ومن يملك الوعي، يملك المستقبل.
وحين يتحدث الكمالي عن الصمت باعتباره تواطؤًا، فهو لا يبالغ، لأن السكوت أمام التزييف خيانة للحقيقة، والحياد أمام الظلم هو شكل من أشكال المشاركة فيه.

لقد كتب الكمالي مقاله كمن يدق ناقوس الخطر في ليلٍ طويلٍ من الخداع، ونحن مدعوون – كإعلاميين وكتّاب ومثقفين – إلى أن نسمع، وأن نجيب.
ففلسطين لا تطلب المستحيل، بل تطلب فقط أن نروي حكايتها كما هي: حكاية شعبٍ صامدٍ في وجه الأسطورة، وحقيقةٍ ترفض أن تُطمس مهما اشتدت الغطرسة.

إن مقال الكمالي ليس مجرد رأي في صحيفة، بل هو تذكيرٌ بأن الكلمة يمكن أن تكون آخر خطوط الدفاع عن الوعي.
وفي زمنٍ يتسابق فيه الجميع إلى تبرير الضعف، تبقى الكلمة الحرة فعل مقاومةٍ بحد ذاتها، تعيد للحق صوته، وللأمة ضميرها.
فالصمت في زمن التزييف ليس حكمة… بل هزيمة مغلّفة بالسكوت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى