التعاون الصيني–العربي: الاقتصاد والشراكات الاستراتيجية بديلاً عن الهيمنة العسكرية

بقلم: نجيب الكمالي، رئيس دائرة العلاقات العامة بالاتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين – أصدقاء وحلفاء الصين، فرع اليمن
يشهد العالم اليوم تحولات كبيرة في أدوات النفوذ الدولي، حيث أصبح الاقتصاد، التكنولوجيا، والشراكات الاستراتيجية وسائل أكثر فعالية من الحروب التقليدية في فرض السيطرة والتأثير. صعود الصين اقتصاديًا وتكنولوجيًا جعل من التعاون معها خيارًا استراتيجيًا للدول العربية لتقليل الاعتماد على الهيمنة العسكرية التقليدية للقوى الكبرى، وتحقيق توازن مستدام بعيدًا عن الصراعات المسلحة.
تعتمد الصين على الاقتصاد والاستثمار والتكنولوجيا كوسائل نفوذ، بعيدًا عن القوة العسكرية المباشرة، وتضع خططها طويلة المدى، مثل الخطة الخمسية الخامسة عشرة ومبادرة “الحزام والطريق”، في خدمة تعزيز الشراكات الاستراتيجية مع الدول العربية، وتوفير فرص للتنمية المستدامة بعيدة عن الصراعات. من جهة أخرى، أثبتت الحروب والصراعات التقليدية تكلفتها العالية وحدود فعاليتها في تحقيق مصالح طويلة المدى، كما ظهر في التدخلات السابقة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، مما دفع الدول العربية لإعادة التفكير في أدوات النفوذ وتبني بدائل أكثر فاعلية وأمانًا.
يشمل التعاون الاقتصادي الصيني–العربي استثمارات ضخمة في الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا، وتعمل مبادرة “الحزام والطريق” على إعادة إحياء طريق الحرير التاريخي من خلال مشاريع استراتيجية متعددة القطاعات، مما يمنح الدول العربية قدرة على تطوير اقتصاداتها وتحقيق استقلال قراراتها الاستراتيجية. ويتجاوز التعاون الاقتصادي ليشمل التكامل الحضاري والإنساني من خلال التبادل الثقافي والعلمي والتكنولوجي، وهو ما يعزز التنمية المستدامة ويحد من مخاطر الحروب التقليدية في الشرق الأوسط.
ورغم التحديات، مثل التباين في الأنظمة الاقتصادية والسياسية والأوضاع الجيوسياسية المتقلبة في بعض الدول العربية، تمتلك الصين القدرة على تجاوز هذه العقبات، فيما تمنح الشراكات العربية–الصينية مرونة استراتيجية كبيرة وقدرة على المناورة بعيدًا عن الهيمنة العسكرية التقليدية. ومن خلال هذه الشراكات، يمكن للدول العربية تقليل اعتمادها على القطب الواحد، دون قطع علاقاتها التقليدية، وبناء توازن قوى أكثر عدلاً واستقرارًا.
يبدو مستقبل التعاون الصيني–العربي واعدًا، حيث يمثل نموذج نفوذ حديث قائم على الاقتصاد والشراكات طويلة الأمد كبديل عملي للهيمنة العسكرية التقليدية. الدول العربية تكتسب القدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية مستقلة، وتنويع اقتصاداتها، وتعزيز التنمية المستدامة. هذا التعاون ليس مجرد أداة للنمو الاقتصادي، بل خطوة استراتيجية نحو عالم أكثر استقرارًا وأقل صراعات، حيث تصبح الشراكات الاقتصادية والتكنولوجية الحضارية أدوات للحفاظ على السلام والتوازن الدولي.