من زمن التعريفة إلى زمن التعرية!

بقلم: المهندس غسان جابر
في زمن “التعريفة”، كانت الحياة بسيطة… والناس كرام.
اليوم، في زمن “الشيكل”، الحياة معقدة… والكرامة مؤجلة.

بالتعريفة كنا نشتري رغيفًا، ووقية قضامة، وضحكة من القلب.
الآن، بالشيكل، نشتري الصمت، وصفّ طوابير، ووعدًا جديدًا “بالانفراج الاقتصادي” كل موسم انتخابي.
كانت “التعريفة” عملة صغيرة، لكنها من معدنٍ نادر: الصدق.
أما الشيكل، فلامعٌ على الورق، صدئٌ في الجيب، ومزورٌ في المعنى.
زمن التعريفة كان زمنًا يعرف فيه الفقير أنه فقير، لكنه مرفوع الرأس.
اليوم، الفقير يعرف أنه ضحية، والسياسي يعرف أنه الناجي الوحيد من المحاسبة.
في زمن التعريفة، كان الوطن يُدار من السوق، لا من المانحين.
الخبز يُخبز بالعرق، لا بالتصريحات.
الناس تنتظر المطر، لا التحويلات المالية.
اليوم، الوطن يعيش على أجهزة التنفس الاصطناعي التي اسمها “المساعدات”.
والقادة يتحدثون عن الصمود بربطة عنق إيطالية، وكرشٍ وطنيٍّ مزمن.
الاقتصاد؟ غارق في البيانات.
السياسة؟ غارقة في التبريرات.
والمواطن؟ غارق في القروض.
أصبحنا نعيش زمن “التعرية” لا التعريفة:
تُعرّى فيه الحقائق كما تُعرّى الجيوب،
تُباع فيه المواقف كما تُباع السلع،
وتُغلف الخيبات بورق هدايا اسمها “خطة إصلاح”.
في زمن التعريفة، كانت فلسطين تُقاس بدمعة أم شهيد.
الآن، تُقاس بمؤشر الدولار، وبابتسامة سفيرٍ غربيٍّ بعد اجتماع ناجح.
يا ليتنا نعود إلى زمن كنا فيه فقراء الجيوب… أغنياء بالكرامة.
الآن، نحن أثرياء بالعملة، فقراء بالقيمة.
من زمن التعريفة إلى زمن التعرية… تغيّرت النقود، وتبدلت الوجوه، لكن الفقر الحقيقي لم يعد في الجيب — بل في الخطاب.
م. غسان جابر – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس اللجنة التحضيرية لمنبر صحفيون من أجل فلسطين.




