هل كانت امريكا يوما راعيه سلام.. ؟؟!!

نبيل احمد الرياشي
لم يكن يتحقق او يمر القرار الاممي المجحف رقم 181 القاضي بتقسيم ارض فلسطين عام 1947 ـ بصيغته ـ لولا التدخل الامريكي العابث والسافر.. وهذه حقيقه لايقدر احد على انكارها او تجاهلها..
فقد استخدمت الولايات المتحده الامريكيه شتى الاساليب الالتفافيه سعيا منها وراء تمكين الطائفه اليهوديه لانشاء قيام دولتهم المستقله في ارض فلسطين.. كما مارست ايضا العديد من الضغوظ والاغراءات لكسب اصوات بقيه الدول الاخرى الاعضاء خصوصا بعد ضمان تصويت غالبيه الدول اللاتينيه لصالح القرار الذي رفضته جميع الدول العربيه الاعضاء وامتناع وتحفظ بعض الدول كاليونان وغيرها..
ومن هنا فقد شكل هذا القرار او المشروع الاممي المتخذ ـ برعايه امريكيه ـ احد ابرز الاشكالات التي عصفت بالامم المتحده الوليده والناشئه حينها وكأول خطأ فادح ارتكبته في سجل تاريخها دفع ثمنه للاسف الشعب العربي الفلسطيني الاعزل الذي تجرع اقسى الويلات وعلى مدى اكثر من ثمانين عام وحتى الان..
فقد تم تمكين الشعب اليهودي الاسبقيه والاولويه في تآسيس وبناء دولتهم المزعومه بعد سنين طويله من الشتات والتشرد في انحاء العالم.. وفي المقابل تم الاخلال المتعمد بالقضيه الفلسطينيه واصبح الشعب الفلسطيني هو من يعاني الشتات والعزله والقتل والاباده ومصادره كافه حقوقه المشروعه.
والشي اللافت في هذا الصدد ان بريطانيا ذاتها لم تبدي موافقتها على القرار الاممي وامتنعت بدايه عن التصويت رغم كونها اول من شاركت في المؤامره الكبرى وافسحاها المجال امام الوكالات اليهوديه والمنظمات الصهيونيه لنيل الاعتراف بالوطن القومي لليهود في ارض فلسطين ابان فتره توليها حكم نظام الانتداب 1923- 1948م اوتلك الفتره التي سبقتها خلال مرحله الوصايه المباشره لدول عصبه الحلفاء على المناطق العربيه في اقليم الشام ومحاوله هذه الدول مثل بريطانيا وفرنسا فرض نفوذهما في ارجاء المنطقه والقيام بشن حملات عدائيه ضد الوجود العثماني التركي مع اعطاء الوعود الكيديه للشعوب العربيه لاعلان حريتها واستقلالها..
ولعل امتناع بريطانيا هنا عن التصويت في اول الامر وكذا محاولتها استماله بعض الدول الاعضاء للوقوف الى صفها رفضا للقرار يعود الى تلك الصدمه الغير متوقعه التي تلقتها من الجانب اليهودي عقب قيام العصابات الصهيونيه المسلحه بمهاجمه الجنود الانجليز وحثهم على المغادره وقتل المئات منهم وذلك قبيل انتهاء موعد فتره الانتداب في الوقت الذي كانت بريطانيا قد سلمت جميع عتادها من الذخيره ومستودعات السلاح للوكاله اليهوديه التي لم تحسن التصرف في رد الجميل حسب كلام الساسه الانجليز وتنكرهم للموقف البريطاني الداعم لقضيتهم عبر عقود من الزمن وما وعد بلفور 1917 ( المشؤوم ) الا خير شاهد على ذلك حسب تاكيدهم.
ولذى فقد كانت هول الصدمه اكبر مما توقعته بريطانيا بعد مقتل جنودها على ايدي العصابات اليهوديه والذي جاء متزامنا مع التقارب اليهودي الامريكي.. الامر الذي الى جعل الحكومه البريطانيه تعيد ترتيب حساباتها وعلاقاتها مع الجانب اليهودي وفي ذلك قال: رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل ” كيف لهم ان يعملون ذلك فنحن اصدقاء لهم ومهندسين دائمين لمستقبلهم”
وكانت قد سعت بريطانيا في اكثر من اتجاه لكبح التوجه الامريكي في اروقه الامم المتحده اثناء مناقشه مشروع التقسيم كتثمينهم للموقف الكولومبي تجاه القضيه الفلسطينيه الرافض للتصويت حيث اشار المندوب البريطاني بالفكره التي طرحتها كولومبيا لتعديل مشروع القرار بما لايضر حقوق الشعب الفلسطيني قائلا في حديثه بأن الورقه الكولومبيه المقدمه كادت ان تنجح لولا تقاعس الدول العربيه ..
هذا التراجع في الموقف البريطاني رغم بشاعه مااقترفوه من جرم شديد في تاريخ مسار القضيه الفلسطينيه الا انه اتى ايضا ـ حسب شهادتهم ـ انعكاس لمقدار الندم والخيبه جراء رده الفعل تجاههم ..الامر الذي دعا الحكومات البريطانيه المتلاحقه الى توخي الحذر في طبيعه العلاقات مع الكيان الصهيوني والنظر كذلك في مظلوميه الشعب الفلسطيني وخصوصا بعد ان تعالت الاصوات في الداخل البريطاني للاعتراف بقيام دوله فلسطين.. وهو ما اعلنته علنا المملكه المتحده التي عبرت عن رفضها لسلسله الانتهاكات الجماعيه التي تعرض لها قطاع غزه.. ولعل هذا التغيير الذي طرأ في الموقف العام الدولي تجاه فلسطين جاء بعد اتضاح وانكشاف الكثير من الحقائق امام بقيه الشعوب الحره في العالم التي طالبت بوقف المجازر اليوميه وفك الحصار الخانق على غزه..
وادراكها ايضا بأن جرائيم النظام الاسرائيلي قد تعدت وفاقت كل المفاهيم الانسانيه والاتفاقيات الدوليه المنظمه لحقوق الانسان..
وفي الاتجاه الاخر ابقت امريكا بشاعه وحشيتها ووجهها القبيح السافر المتعنت ونهجها المتواطئ الموالي للكيان الاسرائيلي .. فمن دوله عظمى راعيه للنظام العالمي كما تدعي استباح الساسه الامريكيون جل سلطاتهم المتعاقبه ونفوذهم القوي والمتسلط لفرض هيمنتهم ومشروعيتهم دون ادنى اعتبار او حسبان للعهود او القرارات اوالمواثيق الامميه والدوليه كالصادره من مجلس الامن او المحكمه الجنائيه اومحكمه العدل واستخدام حق النقض ( الفيتو) ليصبح الموقف الامريكي هو المتنفذ الاول والساري وان خالف الاجماع العالمي.. وما قضيه فلسطين الا شاهد على ذلك ومنذ وقت مبكر..
ففي عام 1944 مثلا كان قد طالب الامريكي ستيفن وايز اضافه الى سياسين آخرين في مؤتمر الصهيونيه الذي اقيم في اتلانتا بالاسراع في اقامه دوله يهوديه في فلسطين وطرد العرب منها وبدعم من الرئيس الامريكي هاري ترومان..
ولعل هنا مازاد في تمادي وتعنت الصلف الامريكي نحو قضيه فلسطين بالتحديد هو خنوع اغلب الانظمه العربيه التي ادارت وجهها وتغافلت وتخاذلت عن وجهتها العربيه والاسلاميه وواجبها الوطني القومي وتغاضت كذلك للاسف عن استباحه اشرف الاماكن المقدسه وخضوعها للسياده الصهيونيه..فلم يكتف العدو المغتصب بوضع يده على القدس الغربيه حسب القرار الاممي الامريكي حتى تسنت الفرصه لالحاق وضم القدس الشرقيه في
مخالفه صريحه وواضحه ووصولا الى الاعلان بأن القدس هي عاصمه اسرائيل الابديه في تحدي واضح ومستفز لم يوافقهم احد عليه سوى الرئيس الامريكي ترامب اثناء فتره رئاسته الاولى وعدم امتثاله للوائح وقرارات مجلس الامن في هذا الخصوص ومسارعته بنقل السفاره الامريكيه من تل ابيب الى القدس..
وما حديث الرئيس الامريكي ترامب الراعي الاول لآله القتل في فلسطين عند زيارته الاخيره للمنطقه للتوقيع على انتهاء الحرب في غزه والتي ابتدأها بالالتقاء باعضاء الكنيست والحكومه الاسرائيليه الا تاكيدا على هذا المسار ..فقد بدأ مباركا لانتهاء المهمه ومباركا ايضا للعلاقه الوطيده مع اسرائيل وقدومه الى القدس عاصمه اسرائيل الابديه حد قوله ..
وماهي الا بضع ساعات بعد القاء كلمته في الكنيست الاسرائيلي لتحط طائرته ارض مصر والالتقاء مع الزعماء العرب وغيرهم في مصيف شرم الشيخ الساحلي ..اذ مثل حضوره هذا الاتفاق بوقف الحرب في غزه بمثابه كونه راعي السلام ومهندس وقف اطلاق النار وسط ترحيب كبير من الحضور ..
سنتان وغزه تدمر وتطحن ويسفك دماء ابنائها بالعشرات كل يوم ناهيك عن الحصار الخانق للناجين الاحياء.. ليظهر لنا بطل الاكشن الامريكي ترامب حاملا رايه السلام الشكليه بعد ان حمل رايه الحرب الاكثر دمويه بحق سكان غزه.. وكأن قرار الحرب والسلم بأي شكل لايخرج عن نطاق دائره سور البيت الابيض الامريكي.
صحفي يمني



