الصراع بين الشر والخير ..على مشارف النصر والتحول العظيم

باسم فضل الشعبي
“وَفِي أَنفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُون”
هذه الآية الكريمة في سورة الذاريات تطرح علينا السؤال التالي : لماذا لا نؤمن بالله الحق، بينما هو موجود في أنفسنا متجسدا في قيم الخير والصلاح والثقة وقوة الايمان، لتحقيق التطلعات والأحلام الجميلة من اسعاد أنفسنا والاخرين ؟
لماذا امنا بقوة وقدرة الشيطان، الذي هو الآخر موجود في أنفسنا من خلال قيم الشر والباطل والظلال ، وعملنا على نشر ذلك في الأرض من أجل الفساد والخراب ؟
لماذا لم نبصر نعم الله علينا في أجسادنا لنتعرف على الخالق أكثر ونؤمن به، بل سخرنا تلك النعم للشر والباطل، لإنكار وجود الله ؟
لعلنا نعلم أن الصراع بين الشر والخير، هو صراع أزلي اصلا موجود في داخل الإنسان قبل أن يكون متجسدا في الواقع من حولنا وفي الأرض ، فإذا انتصر الشر في داخلنا رأينا ذلك في الأرض، واذا انتصر الخير في أنفسنا رأينا ذلك في الواقع المعاش أو في الأرض ايضا .
اذا من امن بالخير الذي في داخله وسعى إلى نشره في الأسرة والوطن والأرض هو بالضرورة مؤمن بالله الحق ، لان الله يقوكل ” وأنه لحب الخير لشديد” ، ومن آمن بالشر الذي في داخله وسعى إلى نشره في الأسرة والوطن والأرض ايضا بادراك منه أو بدونه ،هو مؤمن بالشيطان بالضرورة ومنكر لوجود الله ، وهناك آيات كثيرة تتحدث عن ذلك وبأن الشر من عمل الشيطان ،كما قال الله تعالى على لسان النبي يوسف عليه السلام بعد خروجه من السجن “وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ۚ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ” ، وهذا يدل على أن محاولة قتل يوسف عليه السلام من قبل إخوته ثم رميه في البئر ، هو عمل شرير سببه نزغة الشيطان الموجودة في النفس البشرية .
وهكذا يتجسد الصراع في الأرض بين الخير والشر ، كلما زاد الخيرون انتصر الخير وسيطر ، وكلما زاد أهل الشر عربد الباطل وهيمن، ولأن الله وعد الناس في القران والكتب السماوية الأخرى بانتصار الخير في نهاية المطاف أو في اخر الزمان ، فإن من امن بوعد الله وصبر وكابد وحارب من أجل الخير سوف ينتصر ، ومن كفر بوعد الله وكذب وامن وسلك طريق الشيطان والشر سوف يخسر الخسران المبين.
لذلك يقدم الله وعودا للمؤمنين في القران العظيم بقوله :وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.
ويقول تعالى:وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” .
تعالوا نقف هنا ونسأل : لماذا لم يقل الله الذين أسلموا وعملوا الصالحات، وقال الذين آمنوا ؟
الإجابة، هو أن ليس كل المسلمين مؤمنين بالله الحق ، فهناك من هم مؤمن بالشيطان ويتخذه اله من دون الله ” الذين اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله”، بمعنى أنهم مسلمون بالاسم أما بالافعال فهم شياطين يمارسون كل الرذائل والفساد والموبقات والقتل وسفك الدماء ثم ينسبون ذلك لله ورسله وانبيائه.
والله يقول : ” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشْعُرُونَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ ۗ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَٰكِن لَّا يَعْلَمُونَ ، وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ” ”
وهولاء ما هم عليه اليوم الكثير ممن يدعون أنهم مسلمين وحركات وجماعات وأحزاب إسلامية وغيرها ، يدعون العفة والصلاح والورع والايمان بالله في الظاهر لكنهم يفسدون في الأرض ، ثم يخلقون مبررات لهذا الفساد لا ستغفال الجهلة والمخدوعين.
ومن هنا ، ومما سبق، نستنتج أن هولاء المفسدون باسم الله وكتبه ورسله ، هم اصلا غير مؤمنين بالله الحق الذي هو موجود بينهم ومن حولهم وفي أنفسهم وانما هم منكرون له، ومؤمنون بالشيطان على أساس أنه هو ربهم لانه يزين لهم أعمالهم الفاسدة والباطلة.
لذلك لما يأتي اليوم اي واحد مثقف أو انسان عادي ويقل لك انا ملحد وكافر برب بعض الحركات والجماعات والأحزاب الإسلامية فهو محق في ذلك، لأن هذه الجماعات والأحزاب ربها الشيطان، وتدل على ذلك أفعالها في الارض، لان رب الناس كلهم هو رب الخير وليس رب الشر ، لذا فمن امن بالخير وقيم الخير هو مؤمن بالله الحق الموجود في الأرض وفي الانفس، ومن آمن بالشر هو كافر بالاله الحق ومؤمن بالشيطان على اعتبار أنه هو الرب، ولكنه رب الباطل ، الذين نحن المؤمنون بالله الحق له منكرون.
الله يقول ” وهو معكم اينما كنتم ” بمعنى موجود في الأرض مطلع بشكل أو بآخر بكل مكان يراقب ويشرف على الصراع بين الشر والخير ، وله جنود يعملون بكل مكان من الملائكة والناس والجن ” ولله جنود السماوات والأرض” ، يحاربون من اجل الخير ويطفئون الفتن والحروب ” كلما اوقدوا نار للحرب أطفأها الله” .
وهكذا صراع مستمر ، ولكنه تحت قدرة الله واشرافه وسيطرته . لذلك على قوى الشر والشيطان أن لا تعتقد انها سوف تنتصر بالشر والباطل والدجل، وذلك لأن الله الحق الذين هم منكرون له موجود ليس في السماء فحسب، وانما في الأرض، ليس شي غيبي غير معلوم ، وانما موجود ومدرك ومحسوس وتلمس أفعاله وبيناته ومعجزاته .
وحينما قال رسول الله محمد صلى عليه وسلم ، أن هناك خلافة على منهاج النبوة في اخر الزمان في الأرض ، وان هناك خليفة لله في الأرض هو المهدي ، وبشر بظهوره في نهاية الزمان ، فإن أولياء الله و العارفون يوكدون وجود المهدي خليفة الله بيننا في الأرض ، وأنه هو المكلف من الله بإدارة الصراع بين الخير والشر في الأرض، ليس من اليوم وانما من آلاف السنين ، وهذا يحيلنا لما تقوله بعض المخطوطات المنسوبة لبعض الانبياء من قبل محمد ، من أن مخلص اخر الزمان، أو الرجل الموعود بخلافة الله في الأرض قد عاش في زمنين مختلفين، زمن الإنسان الأول من لدن آدم إلى وقت قريب يناهز الأربعة عقود أو أكثر بقليل ، كان فيها شخصية بشرية متجسدا فيها روح الله ومعجزاته وقدرته، يجوب الأرض يصلح ويبني ويشرف ويقيم العدل ويحارب الظلم والشر والباطل ، يظهر تارة ويختفي تارة ، وهكذا ، غير معلوم له مكان محدد ، ثم عندما أراد الله أن يجعله خليفة له في الأرض في نهاية الزمان بشكل دائم وأبدي ، أمره أن يعيش حياة طبيعية مثل البشر العادين ، فكان ذلك الميلاد الثاني له في الزمن الثاني المختلف كإنسان يولد من اب وام عاديين، ويعيش حياة عادية مثل البشر ، في مكان معلوم من الأرض ، ويبدأ من هناك صراعه مع قوى الشر في الأرض ابليس وأعوانه ، سلاحه الوحي والخير والحق، وله جنود من السماوات والأرض يحمونه ويطيعونه ، وسلاح ابليس وأعوانه الشر والسحر والشياطين والفساد ، وهكذا دار الصراع بين الخير والشر ، وحدثت الفتنة الظاهرة منذ عقود .
وكما يبدو الان أن الفتنة بدأت تنقشع، وبدا الحق والنور يظهران للناس ، بعد سنوات وعقود من الظلام والباطل ، وهذه هي سنة الله في الابتلاء والتمحيص ، وكل انسان سوف يجزى بعمله إن كان خيرا او شرا، وباب التوبة مايزال مفتوح لمن اراد أن يلتحق بالحق والنور والهدى ، والمعركة مسيطر عليها الآن ، ولا تظن قوى الشيطان والشر أنها قادرة على فعل شئ مؤثر بعد اليوم.
وبنهاية هذه المعركة بين الشر والخير ينتصر المهدي والمؤمنين به في كل مكان في الأرض ، و يصلح الله الامام المهدي بتنقيته وتطهيره من السحر والحسد ، ويمنع عنه تسلط شياطين الجن والانس ، ثم ياذن له الله بالخروج والظهور للناس بشخصيته الجديدة واسمه الجديد ، كرسول وخليفة لله في الأرض، مجدد لدين الله الحق ، تتجسد فيه معجزات الله وقدرته ، ثم يحقق له الله ما وعده به من استخلاف وجنة في الأرض مع المؤمنين الصالحين ، وحياة منعمة وابدية ، جزاء بما آمنوا وصبروا وتلك عقبى الدار.
والله اعلم بذلك من قبل ومن بعد ..وبالله التوفيق .
-مقال خاص بمركز مسارات للاسترتيجيا والاعلام
https://www.facebook.com/share/p/1Gn4SeACH9/



